"قسد على مفترق الطرق.. بين الصفقة والمصير المجهول"

التفاهمات الدولية ومصير سوريا: بين الكواليس والمصالح المتضاربة



في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية، تظهر في الأفق تفاهمات جديدة قد تعيد رسم المشهد السياسي والعسكري للمنطقة. أحدث هذه التفاهمات كان ما تم تسريبه من مفاوضات بين "قسد" ودمشق بوساطة فرنسية وضغط من التحالف الدولي، وهي خطوة تعكس حجم التحولات التي تفرضها المعطيات الإقليمية والدولية.

عرض "قسد" واللعبة المزدوجة

وفقًا للمعلومات المتداولة، فإن العرض الذي قدمته "قسد" يتضمن:


1. تسليم التعليم والمؤسسات المدنية لدمشق، وهو ما يضفي طابع الشرعية على سيطرة الدولة السورية في مناطق "قسد".


2. انضمام قوات "قسد" ككتلة واحدة ضمن وزارة الدفاع السورية، لكن دون دمجها الكامل، مما يمنحها استقلالًا جزئيًا.


3. احتفاظ "قسد" بحق التعيينات الإدارية في مناطق سيطرتها، مما يضمن استمرار نفوذها الفعلي.


4. تقاسم النفط والغاز بنسبة 50% مع دمشق، لكن بطريقة تحفظ لـ"قسد" التحكم الفعلي بنصف الثروة النفطية في مناطقها.



هذه الترتيبات، رغم أنها تعطي انطباعًا بعودة "قسد" إلى كنف الدولة السورية، إلا أنها فعليًا تكرس هيمنتها على الأرض، وتُبقي مواردها تحت سيطرتها الفعلية، فيما تحصل دمشق على مخصصات محددة.

الجولاني بين المخاوف والتردد


حتى الآن، لم يحسم الجولاني موقفه من هذه التفاهمات. التحليلات الأوروبية ترجّح أنه سيوافق في النهاية، لأسباب منها:

تخفيف العقوبات الغربية التي أثقلت كاهل المنطقة.

الحصول على 50% من عائدات النفط والغاز، وهو مكسب استراتيجي لا يمكن تجاهله.


لكن المخاوف تسيطر على الجولاني من عدة نقاط:

رد الفعل التركي، إذ قد ترى أنقرة أن هذا الاتفاق يرسخ نفوذ "قسد"، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لها.

إمكانية أن تقتدي بقية المحافظات بهذه الخطوة، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات مشابهة في السويداء والساحل ودرعا ودير الزور.


الرهانات الخطيرة: هل نكرر الأخطاء؟


وسط هذه التطورات، يتصاعد الجدل حول مستقبل السلطة الجديدة. المخاوف تتزايد من أن يؤدي التفرد بالقرارات السيادية إلى استبداد جديد تحت مسميات مختلفة، تمامًا كما حدث في مراحل سابقة.

هناك ثلاث نقاط رئيسية يجب التوقف عندها:

1. عدم السماح ببناء استبداد جديد تحت غطاء "الأمن والاستقرار"، وهو فخ وقعت فيه العديد من الدول بعد الثورات.


2. تفادي استخدام "الجماعات الجهادية" كذريعة للتدخل الدولي، حيث يمكن أن يكون ذلك مدخلًا لفرض الفيدرالية أو إبقاء العقوبات مشددة.


3. عدم الوقوع في فخ الفساد والانتهاكات، فالتجارب السابقة أثبتت أن السلطات التي تبدأ بشعارات الحرية والديمقراطية، كثيرًا ما تنتهي بالقمع والاعتقالات وتفشي الفساد.



الحوار الأمريكي - الأوروبي: تناقض المصالح


وسط كل هذا، تدور نقاشات حادة داخل الدوائر الغربية حول كيفية التعامل مع هيئة تحرير الشام (الجولاني).

الموقف الأمريكي:
ترفض واشنطن السماح لجماعة "إرهابية" بالانتصار، لعدة أسباب:

حفاظًا على مصداقيتها أمام حلفائها.

منع تحول هذا النموذج إلى سابقة تلهم جماعات أخرى.

إغلاق الطريق أمام أي جماعات مشابهة تحاول الوصول إلى السلطة مستقبلاً.


الموقف الأوروبي:

على العكس من ذلك، ترى بعض الدول الأوروبية أن بالإمكان تحويل "الإرهابيين" إلى "علمانيين ديمقراطيين"، واستدلت بتغير شكل الجولاني ورفاقه، من اللباس الغربي إلى المصافحة العلنية مع النساء، وصولًا إلى إمكانية إقامة علاقات مع المجتمعات الغربية على المستوى الاجتماعي والثقافي.

ما بين السطور قرارات مصيرية ترسم مستقبل سوريا


الواضح أن هناك هندسة جديدة للمنطقة تُرسم في الكواليس، وسط توازنات معقدة. من إسقاط بشار الأسد، إلى اغتيال نصر الله، وصولًا إلى تصعيد التوتر في لبنان ومنطقة الليطاني، كل هذه الأحداث تتشابك ضمن مخطط أوسع.

الأسئلة الكبرى التي تطرح نفسها:


إلى أي مدى يمكن لهذه التفاهمات أن تصمد أمام المصالح الإقليمية والدولية؟

هل سيتمكن الجولاني من تجاوز الضغوط التركية وقبول العرض؟

كيف ستؤثر هذه الترتيبات على مستقبل سوريا، وهل سنشهد في النهاية تقسيمًا غير معلن؟




تعليقات